نتنياهو وماكرون: النظام الدولي بين القوة والقانون.




محمود عبد العزيز

نقلت الصحف ووسائل الإعلام تصريحاً على لسان الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" في اجتماع مُغلق لمجلس الوزراء الفرنسي، مفاده أن إسرائيل لا يجب أن تنسي أنها تأسست بموجب قرار من الأمم المتحدة، وبالتالي يجب عليها أن تحترم المنظمة الدولية ولا تخرج على قواعدها. 

هذا التصريح الذي تم تسريبه يأتي بعد عام كامل من استهداف مقرات الأونروا التابعة للأمم المتحدة في غزة، وأخيراً استهداف قوات اليونيفل الأممية التي تعمل في لبنان، استهداف تكرر غير مرة، رغم كل الانتقادات الدولية!

إسرائيل من جانبها أخذت التصريحات المُسربة على محمل الجد، فأصدر مكتب نتنياهو بياناً الغرض منه "تصحيح معلومات ماكرون" وتذكرته وتذكرنا بالأحري أن تأسيس إسرائيل كان بالحرب وليس بالقرار الأممي. 

كيف يُمكن أن نقرأ هذا التذكير؟ 

أولاً: بناءً على طلب سلطة الانتداب على فلسطين "بريطانيا" بنظر الأمم المتحدة في وضع فلسطين باعتباره مُهدداً للأمن والسلم الدوليين، اتخذ مجلس الأمن القرار 181 في نوفمبر 1947 بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية. 

ثانياً: أعلن "بن جوريون" قيام دولة إسرائيل في 15 مايو 1948 وهو القرار الذي رفضته الدول العربية وعلى إثره أعلنت الحرب ضد "العصابات الصهيونية" وانتهي الوضع إلى ما نعرفه جميعاً. 

ثالثاً: يُسمى العرب هذا الحدث بالنكبة، وتسميه إسرائيل بحرب الاستقلال، وهي حرب تمتد على مرحلتين، الأولى ما تعبره إسرائيل نضالاً ضد سلطة الانتداب البريطاني التي تأخرت في تحقيق الحلم القومي لليهود بعد المساعدات التي قُدمت للحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية ضد النازية والفاشية، فانقلب أصدقاء الوعد إلى أعداء، وأخدت التنظيمات السياسية والعسكرية اليهودية على عاتقها مُهمة تأسيس الدولة بالقوة، فنفذت عملية تفجير فندق الملك داوود في القدس سنة 1946 وهو مقر الحكم الإنجليزي. 

رابعاً: بقرار الأمم المتحدة حصلت التنظيمات اليهودية على الشرعية الدولية لتأسيس دولة منفصلة على جزء من أراضي فلسطين بحدود الانتداب البريطاني عليها، وبرفض العرب للقرار، وبإعلان الحرب، بدأت إسرائيل ما تعتبره المرحلة الثانية من حرب الاستقلال، والتي انتهت بهزيمة العرب عسكرياً، وعملياً برفضها لخطة المبعوث الأممي لفلسطين "الكونت براندوت" الذي اقترح قيام ما يُشبه اتحاد كونفدرالي عربي إسرائيلي مع إجراءات تنظيمية لمسألة الهجرة، فانتهي به الحال قتيلاً في 17 سبتمبر 1948، ولعل ذلك يقدم تفسيراً على محورية سياسة الاغتيال في التفكير الاستراتيجي الإسرائيلي، وهي سياسة تُحقق أهدافها بكفاءة على مدار عقود، وليست عملاً يائساً كما يحب البعض أن يُروج.

خامساً: لا تريد إسرائيل أن تخرج من النظام الدولي ولا من قواعده إلا إذا شكلت قيداً عليها، ولهذا  فهي  تمتلك كفاءات قانونية دولية لديها إسهامات مؤثرة.

سادساًَ: تُدرك إسرائيل جيداً منطق نشأة النظام الدولي القائم، فالأمم المتحدة ذاتها خرجت للنور بناءً على اتفاق القوى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، أي أن الحرب هي من أسست النظام الدولي القائم، وهو ما تفهمه إسرائيل جيداً وتتصرف بناءً عليه، فالقوة وحدها يُمكن أن تفرض القواعد وتحميها وتؤسس للأوضاع الجديدة التي تتناسب مع أهدافها، ولا يعني ذلك أن إسرائيل لا تفهم عواقب الاستخدام المُفرط للقوة أو الاستخدام الأهوج والأرعن لها، فذلك يعتمد بالأساس على تقدير قوة الخصم، وعلى تأمين إسرائيل لمصادر القوة الذاتية ثم على الدعم الدولي، وبناءً على ذلك يتحدد القرار العسكري والقرار السياسي بالتبعية. وهذه هي المعادلة: أن قرار الاستباحة بالقوة يتناسب طردياً مع توافر عناصر الدعم السابقة.  

سابعاً: يتحدث نتنياهو باستمرار منذ عدة سنوات عن قواعد جديدة في الشرق الأوسط، مُحملاً بعبء الخبرة التاريخية لدولته،مؤمناً أن من حق المنتصر أن يفرض شروطه، ونستطيع أن نفهم ذلك من السلوك الإسرائيلي في كل مرحلة تاريخية عاصرناها أو قرأنا عنها، ولن أذهب بعيداً لالتقاط الأمثلة من الماضي، بل من أقرب نقطة نطل عليها. ففي خضم الاشتباكات بين حزب الله وإسرائيل كانت إسرائيل تطالب بتنفيذ القرار الأممي 1701 الذي يقضي بانسحاب حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني، وكان حزب الله يرفض. وعندما اتضح الخلل الفادح في ميزان القوة بين الطرفين ، اضطر الحزب إلى الدعوة لوقف إطلاق النار بناءً على القبول بتنفيذ القرار الأممي، لكن الأوان قد فات وأعلنت إسرائيل أن الواقع قد تغير وأن الهدف الآن هو نزع سلاح الحزب، وهو لا يكون إلا بأمرين إما الاستسلام وتسليم السلاح أو بالحرب، وطبعاً تدرك إسرائيل أن الحزب حتي لو أراد لا يمتلك رفاهية الاستسلام. إذن فهي الحرب!

يتحدث الكثيرين عن إشكالية القوة والقانون في العلاقات الدولية، وأتصور أن هذا هو السؤال الخاطئ، فتحليل سلوك إسرائيل على مدى ثمانية عقود يقدم إجابة كافية ووافية، لكيف يعمل النظام الدولي ، وليست مفارقة أن عمر إسرائيل هو ذاته عمر هذا النظام تقريباَ! 

السؤال الذي يجب التفكير فيه، هل المنطقة مُستعدة للقبول بقواعد جديدة في الشرق الأوسط يضعها المُنتصر؟ 

تعليقات

  1. سياسة قطع الرؤس يا دكتور ده مُسكن مش حل ، يعني هي سياسة غير فعالة

    ردحذف
    الردود
    1. متفق معك جزئياً، لكن مش معني انها مش الحل وده صحيح، انها مش فعالة، على الأقل هي تحقق أهداف مرحلية في خطة طويلة المدي

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة