سياسة مصر مع سورية الجديدة

 



(الصورة/ المصدر)




محمود عبد العزيز

يُنادي البعض بضرورة أن يقوم وزير خارجية مصر بالتوجه إلى سورية للقاء الإدارة الجديدة، خاصة بعد سلسلة الزيارات التي قام بها مسؤولون من تركيا وقطر والأردن ولبنان، وبالطبع من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

منطق هذه الدعاوى، أن مصر لا يجب أن تترك سورية لفراغ يملأه آخرون، وبالتالي تكسب نقطة لدى أصحاب القرار الجُدد.

فهل يجب أن تتجاوب مصر مع هذه الدعوات؟

الإجابة على ذلك تتطلب النظر في عدة اعتبارات:

أولاً: ما يحدث منذ الثامن من ديسمبر هو محاولة لترسيخ سطوة وسلطة الجولاني/ الشرع، وسط محاولات مستميتة من إعلام غربي وعربي لإقناع الرأي العام العربي والعالمي أن الرجل قد تغير خطابه وأن قيادته ستكون مختلفة، بينما الذي تغير في خطاب الجولاني هو مفردات الخطاب وليس مضمونه، فعلى سبيل المثال، بدلاً من أن يتحدث عن دولة إسلامية داعشية الهوى، أصبح يتحدث عن دولة مدنية شرعية!

ثانياً: ما يحدث في العاصمة السورية الآن هو أقرب إلى ما يُمكن تسميته بموسم الهرولة إلى الجولاني لتأكيد شرعية تحوله إلى الشرع، وذهاب مصر الرسمية إلى هناك قد يُفهم على أنه موافقة على هذا المعنى، وترحيباً بهذا التوجه.

ثالثاً: ذهاب مصر أو الأردن أو غيرهما، لن يغير من معادلات القوى، ولن يملأ فراغاً، لأنه لا يوجد فراغ من الأصل على الأقل بالمعنى التقليدي لكلمة فراغ، فالفراغ الذي ملأته إيران وروسيا وقت النظام البائد، تملأه الآن تركيا سياسياً وعسكرياً، وقطر مالياً، ومن ثم فزيارة وزير الخارجية التركي والقطري والترتيب الجاري لزيارة الرئيس التركي والأمير القطري، هي زيارات الكفيل إلى عامله. 

رابعاً: أما زيارة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فتبدو مفهومة تماماً، فالأولى لديها قوات عسكرية على الأراضي السورية، ومصالح إستراتيجية سواءً كان على رأس النظام الجولاني أو غيره، أما الاتحاد الأوروبي فيريد أن يتخلص من عبء المهاجرين واللاجئيين السوريين مهما كان الثمن وأياً كانت الطريقة، وليس لمصر مصالح مُشابهة بل يُطالب المصريون إخوانهم السوريين بالبقاء في مصر جزءً كريماً من أهلها كما كنا وكما سنظل.

خامساً: وسط الانشغال بالحديث عن الجولاني ومعه، ينسى البعض أو يتناسي عمداً أن هناك معارضة سورية مدنية قادت الحراك السياسي السلمي ضد نظام الأسد، وهذه المعارضة هي ركن وطرف أصيل في القرارات الدولية الخاصة بسورية وعلى رأسها قرار مجلس الأمن 2254 المتعلق بالتسوية السياسية للأزمة. هذه المعارضة المدنية باختلاف أطيافها موجودة في مصر وتركيا وأوروبا، لم يطلب أحد منها العودة إلى بلادها بعد سقوط النظام ولن يدعوها أحد لأن هناك من يريد أن يُهندس المشهد على مقاس ومقياس أردوغان وعامله على دمشق!

سادساً: تقود مصر منذ أكثر من عشر سنوات توجه أصيل وراسخ أساسه الحفاظ على الدول الوطنية ومحاربة التوجهات الميليشياوية والتنظيمات الإرهابية، وهذه ركيزة استراتيجية في سياسة مصر لا يجب التخلي عنها.

أخيراً، في ضوء ما سبق، فلا يجب أن تقف مصر في موقف المتفرج بكل تأكيد، لكن الأفضل أن يكون تحركها تجاه سورية ضمن إطار عربي أوسع، قد يكون من خلال لجنة اتصال سياسي عربية تُشكلها جامعة الدولة العربية بناءً على دعوة مصرية، بحيث تُراقب تطور الوضع السياسي في سورية ويكون هدفها إتمام عملية التحول السياسي المدني في البلاد، وهذا هو التوجه الوحيد الذي يُمكن أن يُحجم الوجود التركي سياسياً على الأقل، على أن تكون نقطة الانطلاق دعوة قوى المعارضة المدنية إلى التشاور والعودة إلى سورية للمشاركة في إدارة المرحلة الانتقالية التي يُراد للجولاني أن يتصدرها وحده، بعد أن تنتهي مراسم تنصيبه كأحمد الشرع!

تعليقات