متابعات الأزمة السودانية- الشهر الأول




متابعات سودانية (25 أبريل 2023/ اليوم العاشر للأزمة).

 

·       على الرغم من الوساطة الأمريكية شهدت الهدنة المُعلنة خروقات عديدة وسط تبادل الاتهامات بين الجيش والدعم السريع بشأن المسؤولية عن خرق الهدنة. لا يُتصور أن أي هدنة يمكن أن تنجح بسهولة خلال الفترة المقبلة، حتى تظهر بوادر حسم لدى أحد طرفي الصراع، وهو أمر غير قائم حالياً، وربما لن يكون قائماً في المدى المنظور.

·        تأكد اليوم هروب مجموعة من قيادات نظام الإنقاذ من السجن على رأسهم على عثمان طه وعوض الجاز. على عثمان هو النائب الأول السابق للبشير وأمين عام الحركة الإسلامية، والمسؤول عن قوات الدفاع الشعبي وهي ميليشيات غير نظامية تتبع الحركة الإسلامية، وسبق أن هدد" طه" الشعب السوداني بما أسماه كتائب الظل، خلال الانتفاضة ضد البشير في 2018-2019.

·       يدعم هذا الهروب رواية الدعم السريع بأن الجيش السوداني مُخترق من الحركة الإسلامية الساعية لتجميع صفوفها للعودة إلى السلطة. ومن ثم فهم من يقفون وراء عمليات تحرير السجناء. بلا شك من شبه المستحيل حالياً أن يعود النظام القديم بنفس الوجوه السابقة دون أن يعني ذلك أن الحركة الإسلامية بمختلف مكوناتها قد فقدت فرصها في العودة إلى السلطة فبنية النظام لازالت قائمة بالفعل. لكن الآثر المباشر لخروج هذه القيادات سيظهر في حال تمكنت من تفعيل التنظيم السري للحركة الإسلامية وألحقته بالقوات المسلحة في مواجهة الدعم السريع. وفي هذا إطلاق لشرارة الحرب الأهلية.

·        خلال الأيام الماضية انتشر هاشتاج يطالب الدولة المصرية بإلغاء تأشيرة الدخول للأخوة السودانيين. بشكل عام لا أحبذ الضغط على الدولة في هذا الملف بالذات. ولا أجد مبراً للتعاطف مع الهاشتاجات أو التريندات في هذا الشأن بسهولة. مصر استقبلت بالفعل ملايين السودانيين وغيرهم من الأشقاء العرب. وقد فعلت وتفعل ذلك بصمت وشرف ودون متاجرة ولم تنتظر أي هاشتاج. الأخوة السودانيين وكل الأشقاء العرب مُرحب بهم على الرحب والسعة والرأس حتى ونحن نسمع من بعضهم ما يجرحنا. فهذا دائماً قدر مصر الكبيرة.

 

متابعات سودانية (26 أبريل 2023/ اليوم الحادي عشر للأزمة).

·       بدأت سلسة اجتماعات مجلس الأمن بشأن الأزمة السودانية دون قرار أو أفق للحل. الاجتماع هو الأول ضمن سلسلة قادمة ومتوقعة دون حل ناجز. النتيجة التي أكدتها الأمم المتحدة بأن أطراف الصراع ليست مستعدة بعد للتفاوض.

·        دخلت الهدنة يومها الثاني، مع هدوء نسبي في أغلب أنحاء العاصمة الخرطوم، فيما شهد محيط القيادة العامة للجيش اشتباكات عنيفة. ولا يبدو أن الهدف من الهدنة هو تثبيتها أو وضع حد للاقتتال. الهدف هو تسهيل عمليات الإجلاء المتسارعة من السودان.

·           يقبع "البشير" في مكان آمن حسب الوزير السابق في نظام الانقاذ "أحمد هارون" بعد هروبه من السجن، وهو متهم بارتكاب جرائم حرب في دارفور. الجيش السوداني ألقي باللائمة على الشرطة فيما يخص تأمين السجون ومن ثم المسؤولية عن فتحها، مؤكداً أن البشير يخضع للعلاج في أحد المستشفيات العسكرية. إزاء هذا التضارب فإن الأرجح أن البشير قد هرب من محبسه بالفعل. بجانب قيادات أخري بالنظام السابق، مثل نافع على نافع مساعد البشير، والمسؤول عن جهاز الأمن الداخلي وصاحب تجربة "بيوت الأشباح" التي تسببت في أبشع جرائم التنكيل والتعذيب التي مارسها نظام الإنقاذ ضد الشعب السوداني.

·       هروب قيادات الإنقاذ من السجن دفع قوي الحرية والتغيير إلى التصريح في بيان رسمي بأن عناصر النظام السابق داخل القوات المسلحة هي من تقف وراء تفجير الموقف منذ 15 أبريل الجاري. دون تجاوز في التحليل فإن هذا البيان يمثل اصطفافاً غير مباشر مع الدعم السريع وروايته بشأن الصراع القائم ومن ثم بداية لتشكل تحالفات مدنية عسكرية مشتركة.

·       صرح وزير الخارجية الروسي بأن السودان من حقه الاستعانة بقوات فاجنر، دون أن يحدد من في السودان بالضبط الذي يحق له الاستعانة بهذه القوات. في كل الأحوال فهذا التصريح بمثابة اعتراف ضمني بوجود قوات تتبع الشركة الروسية على الأرض، ومن ثم اعتراف واضح بدور روسيا في مساندة قوات الدعم السريع. وهو في المحصلة مزيد من التعقيد للأزمة ومن ثم إطالة أمد الحرب.

·           أدهش البعض إعلان إسرائيل استعدادها التوسط بين طرفي النزاع. في المجمل إسرائيل تعرف أنها لن تقوم بهذه الوساطة لكنها أرادت أن تعلن إعلامياً أنها على علاقة واضحة بأطراف الصراع في السودان، وأن لها دوراً تريد أن تمارسه في إطار علاقات طبيعية، وهذا الأمر مكون رئيسي في تصور نتنياهو للعلاقة مع الدول العربية.

·          أخيراً اقترحت منظمة الإيجاد (تجمع لدول شرق أفريقيا يضم السودان، جنوب السودان، إثيوبيا، كينيا، جيبوتي، الصومال، إريتريا، وأوغندا) مبادرة لمد الهدنة الحالية لمدة ثلاثة أيام أخرى. دور الإيجاد يتقاطع مع الدور الذي يمكن أن تقوم به الجامعة العربية. ومن ثم فتمديد الهدنة سيُحسب للمنظمة وعلى رأسها إثيوبيا. وإن كانت لا توجد مؤشرات فعلية حالياً حول إمكانية مد الهدنة.


متابعات سودانية (27، 28 أبريل / اليوم الثاني عشر والثالث عشر للأزمة)

·       انتهت هدنة الوساطة الأمريكية ذات الثلاث أيام، وجرى تمديدها لثلاثة أيام أخرى بناء على مبادرة منظمة الإيجاد، وهو اختراق نسبي يُحسب لها في ضوء أن البرهان كرر أكثر من مرة أن الحل في السودان يجب أن يكون إفريقياً في ظل غياب للجامعة العربية. وعلى الرغم أن الداعمين الأساسيين للبرهان وحميدتي على السواء هم أطراف عربية، لازال البرهان ينادي بالحل الإفريقي، وهو حل اللاحل! "حميدتي" من جهته أعلن الموافقة على تمهيد الهدنة بهدف تسهيل عمليات الإجلاء وليس بهدف التوصل إلى حل سياسي. وهو ما ذكرناه في السابق وتأكد اليوم.

·       من المفارقات أن خارجية جنوبالسودان ذكرت أنها تواجه مشكلات في التواصل مع حميدتي منذ ستة أيام. البعض قد يري في ذلك ضعف في موقف الدعم السريع يحول بين قائده والقدرة على التواصل. والأرجح أن هذه الصعوبة نوع من الممانعة لقبول مبادرة الإيجاد التي تفرض إرسال ممثلين للبرهان وحميدتي إلى جوبا للتفاوض.

·       شهد اليومان الثاني عشر والثالث عشر (27 و28 أبريل)، تطوراً هاماً على المستوى القبّلي، فمن جهة امتدت نيران الحرب إلى دارفور خاصة مدينة جنينه عاصمة غرب دارفور. والتي شهدت أعمال قتل ونهب قامت بها جماعات قبلية عربية وإفريقية استغلالاً لحالة الاقتتال بين الجيش والدعم السريع في الإقليم. المؤشرات على الأرض تُظهر سيطرة وانتشاراً أكبر للدعم السريع في دارفور، وهي مسألة مفهومة في ضوء أن إقليم دارفور هو معقلها الرئيس. من جهة أخرى أعلنت نظارات البجا بشرق السودان عن تشكيل "لجنة عليا لإسناد القوات المسلحة في قتالها ضد الدعم السريع".

·        "البجا" معروف موقفها الداعم للقوات المسلحة سواء اليوم أو في انقلاب أكتوبر 2021. لكن الإعلان عن تشكيل قوات بذريعة دعم القوات المسلحة يعني أن القوات قد تتحول في المستقبل إلى قوات دعم سريع جديدة خاصة أن المنطقة لديها نزعات انفصالية حقيقية، فالدعم السريع نشأ أيضاً بذريعة إنهاء الحرب في دارفور ثم صار إلى ما صار إليه اليوم، ولا يجب على الجيش السوداني أن يسمح بهذه الخطوة أو يقبل بها في حال شرعت هذه المجالس في تنفيذها الفعلي. ذلك إن كان هدف الجيش من هذه الحرب هو الدفاع عن منطق الدولة الوطنية والمؤسسة الأمنية الواحدة.

·       في ضوء التطور السابق، أعلنت خمس حركات مسلحة في إقليم دارفور -على رأسها حركة تحرير السودان/ جناح مني أركو مناوي، وكذا حركة العدل والمساواة-عن تشكيل قوة مشتركة لتأمين مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور في ظل الفراغ الأمني الناتج عن القتال بين الدعم السريع والجيش. يُعد هذا أول تحرك مباشر للحركات المسلحة يتصل بالحرب، حيث تتصاعد المخاوف من إمكانية أن تنضم الحركات المسلحة للقوات المسلحة في مواجهة الدعم السريع وهو ما يمكن أن يُرجح كفة الجيش عسكرياً إلا أنه سيعمق من الأزمة وسيشعل حرباً قبلية جديدة.

·       . الحركات المسلحة أقرب إلى القوات المسلحة في ضوء عدائها التاريخي مع الدعم السريع المتهم بارتكاب جرائم حرب أثناء الحرب الأهلية في دارفور، بالإضافة إلى أن هذه الحركات لديها ما تخاف عليه وهو اتفاق سلام جوبا، الذي منحها مكاسب سياسية واقتصادية وأمنية. لكن من الأرجح حتى الآن ألا تتدخل بصورة مباشرة في القتال لصالح أياً من الطرفين حالياً والاكتفاء بما طرحه "مني أركو مناوي"،  بأن تقوم الحركات المسلحة بالفصل بين القوات المتقاتلة. الأيام ستكشف عن قدرة الحركات المسلحة على القيام بهذا الدور والاكتفاء به، أو الانخراط في المعركة بحساباتها الخاصة.


متابعات سودانية (29 أبريل- 3 مايو / اليوم الرابع عشر إلى الثامن عشر للأزمة)

·       في السودان لا حديث يعلو على صوت المعركة سوى حديث الهدنة، تعددت الوساطات والنهاية واحدة. يوافق الطرفان على كل هدنة وأي هدنة مع مواصلة الاقتتال. يحدث ذلك باستمرار. مرد ذلك أن أطراف الصراع ومن يقف من ورائهم لازالوا على اقتناع بإمكانية الحسم العسكري رغم استحالته على الأقل نظرياً. فيما يرغب طرفا الصراع في إظهار حرصهما على السلام من خلال الانفتاح الشكلي على أي مبادرة دولية وإقليمية دون الاقتراب منها جوهرياً، ثم يُلقي كلاً منهما باللوم على الأخر بشأن خرق الهدنة.

·       يتصل بذلك إعلان خارجية جنوب السودان عن موافقة الأطراف على هدنة سابعة لمدة أسبوع تبدأ من يوم 4 مايو الجاري، وذلك بغرض تثبيت الهدنة والاستعداد للتفاوض. الأرجح أن هذه الهدنة لن يكتمل نجاحها، أولاً من جهة اختلاف الهدف، فالدعم السريع والجيش يهدفان على ما يبدو إلى تسهيل عمليات الإجلاء وفتح ممرات إنسانية للمواطنين في ظل تدهور الحالة المعيشية والصحية، بينما هدف المبادرة هو تثبيت الهدنة في سبيل التفاوض من خلال إرسال مبعوثين عن البرهان وحميدتي إلى جوبا عاصمة جنوب السودان، وهو ما لا يرغب فيه الطرفان.   تثبيت الهدنة كذلك يتطلب إرسال قوات دولية لمراقبة التزام طرفا الصراع بالهدنة. وأتصور أن هذه الخطوة من المبكر الحديث عنها، ولن تتم دون دعم واضح من الولايات المتحدة، فضلاً عن تكامل المبادرات المختلفة التي تطرح نفسها حالياً. ولا توجد مؤشرات قوية على ذلك حتى اللحظة. فالرئيس الكيني "وليام روتو" أشار إلى أن طرفي الصراع في السودان يرفضان التفاوض أو الاستجابة لمبادرة منظمة الإيجاد، وهو ما أكده كذلك عضو مجلس السيادة السوداني ياسر العطا الذي قال إن إرسال مبعوثين إلى السودان لا يعني توقف القتال في سبيل إنهاء التمرد الحالي. المعني ذاته تؤكده قوات الدعم السريع.

·       "فولكر بيرتيس" رئيس بعثة الأمم المتحدة بالسودان أشار إلى موافقة طرفي الصراع على إرسال ممثلين عنهم للتفاوض، مُرجحاً أن تكون السعودية هي الأقرب لاحتضان المفاوضات. حيث تحظي مبادرتها لوقف القتال في السودان بموافقة ودعم الولايات المتحدة ومصر، وقد قام مبعوث البرهان بأول زيارة خارجية له إلى الرياض، قبل أن يسافر إلى القاهرة حيث التقي وزير الخارجية المصري وأطلعه على نتائج هذه الزيارة وكذا تطورات الحرب على الأرض. الراجح هنا أن التحركات التي تقودها السعودية بدعم الولايات المتحدة ومصر هي الأكثر تماسكاَ بين المبادرات المختلفة، والأكثر قدرة على تحقيق اختراق في الوضع القائم، وستتزايد حظوظها بالقدرة على تجميع أكبر عدد من المواقف الإقليمية والدولية.

·       بالحديث عن المواقف الدولية والإقليمية، فقد أعلن الرئيس الإريتري "أسياس أفورقي" عن دعمه لموقف الجيش في مواجهة الدعم السريع، وهي خطوة تحمل دلالات هامة، أولها أنها تتوافق مع موقف القبائل والنظارات في شرق السودان ذات الصلات العرقية بإريتريا وهذه المجالس القبلية تدعم موقف القوات المسلحة، من جهة أخرى فإن دول جوار السودان لا تصرح عادة بموقفها من طرفي القتال خشية التورط المباشر فيه، حتى تشاد التي تردد أنها تؤيد الجيش تراجعت لتؤكد أنها لا تصطف مع أي من طرفي الصراع. كما أن إعلان أفورقي عن هذه الخطوة يتقاطع مباشرة مع الموقف الإثيوبي الذي يبدو أقرب إلى قوات الدعم السريع، وفي ذلك فرصة لاختراق مصري عربي لتجميع مواقف دول جوار السودان للدفع باتجاه التفاوض والحل.

·       منذ يوم الصراع الأول كانت هناك مخاوف بشأن تدهور الوضع الإنساني في السودان وانعكاساته على دول الجوار. هذه المخاوف هي الآن أكبر من الحقيقة. الأمم المتحدةأنذرت بأن الوضع الصحي في السودان على عتبة انهيار كارثي. النازحون تجاوز عددهم 100 ألف سوداني، وما يقرب من 100 ألف آخرين لجئوا إلى دول الجوار. وفيما يبدو أن تشاد ستكون أول الدول التي تتأثر بشدة جراء هذا اللجوء فهي تعاني بالفعل من مشكلة اللاجئين السودانيين المتواجدين لديها منذ الحرب في دارفور في 2003، وبدأت السلطات التشادية في طلب العون الدولي لمساعدتها على استقبال اللاجئين وتوفير سبل الحياة لهم في ظل نقص الغذاء والوقود الذي يعاني منه مواطنو تشاد.

·       إذا كان ما سبق بشأن خريطة التشابكات الدولية والإقليمية، فإن الوضع على الأرض لا يقل تشابكاً أو تعقيداً. الملاحظات تقول إن قوات الدعم السريع أكثر قدرة على الانتشار في العاصمة، وأن الجيش يعاني أمامها. من هنا تحاول القوات المسلحة  الاستعانة بقوات الشرطة لتأمين وتمشيط أماكن سيطرتها داخل العاصمة، أما في دارفور التي تواجه وضعاً مأساوياً فالدعم السريع يفرض قدراً أكبر وأوسع من السيطرة بما لا يُقارن بالقوات المسلحة التي يبدو وضعها أفضل في الشرق والجنوب. لكن في كل الأحوال من المبكر بشدة الحديث عن أي حسم عسكري.


مبني القيادة العامة للجيش السوداني يظهر مُدمراً في الأيام الأولي للحرب: صحيفة الجارديان البريطانية

·       القوى المدنية من جانبها بدأت في محاولة تجميع المواقف للتحرك بها على الأرض، تفكر في إمكانية الدعوة إلى تظاهرات شعبية لإجبار طرفا الصراع على وقف القتال والجلوس على طاولة المفاوضات. وعلى الرغم من تأكيد القوات المسلحة والدعم السريع على أهمية إطلاق العملية السياسية في حال انتصار أحدهما، فإن الجيش قد توعد من جانبه بمحاسبة القوي المدنية التي ساعدت الدعم السريع في تمردها القائم، دون أن تُسمي هذه القوى. هذا التوعد يطرح شكوكاً حقيقية ومشروعة بشأن مستقبل وطبيعة العملية السياسية في السودان، سواء انتصر الدعم السريع أو القوات المسلحة، فالحديث عن الديمقراطية والانتقال المدني للسلطة سيُرفع إلى حين إشعار آخر. وهذه أحد أسوأ النتائج المُتوقعة للصراع الجاري، والذي رهن مستقبل البلاد بزر البندقية.  


                متابعات سودانية (4 مايو- 10 مايو / اليوم التاسع عشر إلى الخامس والعشرين للأزمة)

·       فيما يدخل القتال بالسودان يومه الخامس والعشرين، تستمر المباحثات المباشرة بين ممثلي طرفي الصراع في جدة بالسعودية. يتفق ذلك مع ما أُشير إليه في تحليلات سابقة بأن المبادرة السعودية هي الأقوى والأكثر تماسكاً ولديها الفرص الأكبر في تحقيق اختراق للوضع القائم. هذه المباحثات لم تأخذ بعد طابع المفاوضات-سمتها واشنطن بمباحثات ما قبل التفاوض-التي يمكن أن تؤدي توافق بشأن الحل السياسي. فالمباحثات لازالت متعثرة ولم تنجح حتى في تثبت وقف إطلاق النار فالقتال في الخرطوم على أشده. وفي ذلك فإن الأرجح أن هذه المباحثات لن تنتهي إلى نتيجة إيجابية، بل ستصبح جولة متعثرة ضمن جولات أخرى ستأتي لاحقاً بلا شك. فلازال لدى طرفي الأزمة تصور بإمكانية الحسم العسكري للصراع. رغم غياب أي مؤشرات حقيقية على ذلك.

·       التدخلات الإقليمية لم تقتصر على مباحثات جدة، فالجامعة العربية بدورها أظهرت تحركاً جاداً ربما للمرة الأولى منذ بدء الصراع، أدخلت مصر بقوة من جديد على خط الأزمة بعد محاولات مفهومة لاستبعادها، حيث جرى تشكيل لجنة اتصال مصرية سعودية للتواصلمع أطراف النزاع بالسودان. هذا التطور لم يأتي فقط نتيجة تغير في إدراك القوى الدولية والإقليمية بشأن أهمية الدور المصري، بل يرتبط أيضاً بتغير نسبي في السياسة الخارجية المصرية بانفتاحها على المباشر على طرفي الصراع، وهو ما ظهر في اتصال وزير الخارجية سامح شكري تلفونياً مع البرهان وحميدتي كلاً على حدة. مفاد ذلك أن الأطراف الدولية يتزايد إدراكها لأهمية الحل السياسي دون الحسم العسكري، وهو ما يعني أن استبعاد الجيش أو الدعم السريع ليس مطروحاً. عززت مصر هذا الدور في زيارة الوزير شكري إلى دولتي جوار السودان تشاد وجنوب السودان، فيما استقبل الرئيس السيسي بدوره مستشار رئيس جنوب السودان للتفاهم بشأن الحل في السودان، وهي خطوات هامة وإيجابية لتعزيز موقف المبادرة السعودية الأمريكية المصرية.

·       تعتبر إثيوبيا الخاسر الأكبر من هذه التحركات المكوكية فهي أكثر الدول التي لديها مصلحة حقيقية في استمرار الصراع في السودان على الأقل فيما يخص ملف السد حيث تتخذ من الأزمة السودانية ذريعة للتهرب من أي تفاوض بشأن اتفاق قانوني حول السد وبطبيعة الحال الملء الرابع الذي تستعد له على قدم وساق.

·       من جديد لم يخف الجيش السوداني نواياه تجاه كتلة واسعة ورئيسية من القوى المدنية التي تطالب بإنهاء الحرب والجلوس إلى التفاوض. الجيش يتعامل مع هذه التصورات باعتبارها خيانة، وهو ما أشارت إليه وزيرة الخارجية السودانية السابقة "مريم صادق المهدي" بأن أطرافاً داخل القوات المسلحة تسعى إلى تأزيم الصراع والدفع باتجاه الحسم العسكري. دلالات هذا الخلاف الجوهري المُعلن لا تخفي على أحد. العملية السياسية في السودان في حال توقف القتال لن تعود كما كانت أو كما هو مأمول. الطرف الوحيد الذي يطالب الجيش باستمرار القتال هم الإسلاميون كان أخرها دعوة "محمد على الجزولي" أحد قيادات تيار نصرة الشريعة ورئيس حزب دولة القانون والتنمية، الذي ثاطالب البرهان بإعلان التعبئة العامة واستدعاء قوات الاحتياط لقتال الدعم السريع. دون أن نخوض في نقاش حول حدود قدرة الجيش السوداني في ظل الوضع القائم على استدعاء الاحتياط أو إعلان التعبئة، فإن هذا المطلب يعزز من رواية الدعم السريع والقوى المدنية بشأن اختراق الحركة الإسلامية لصفوف القوات المسلحة. ومن ثم فإن هذا الاصطفاف والاصطفاف المُضاد يرسم ببطء مسار حرب أهلية لا يتمناها أحد.

·       يمكن فهم طبيعة الموقف العسكري لقوات الدعم السريع داخل العاصمة بالنظر إلى مطالبها من المحادثات المباشرة في جدة، فهي تتركز على وقف ضربات الطيران، بالإضافة للسماح لقيادات الدعم السريع بالخروج من الخرطوم إلى الأماكن التي يختارونها، وتثبت قوات الدعم السريع في مواقع ما قبل 15 أبريل 2023، بالإضافة إلى الإبقاء على ما بحوزتها من مؤسسات حيوية وهامة قامت بالسيطرة عليها خلال الصراع. على سبيل المثال يسيطر الدعم السريع على مركز التحكم الرئيسي للكهرباء بالخرطوم ومصفاة الجيلي لتكرير النفط في شمال الخرطوم بحري، فضلاً عن مقرات القيادة العامة للجيش والقصر الجمهوري ومؤسسات حكومية مختلفة، وعدد كبير من المستشفيات المدنية التي خرجت من الخدمة. ولازالت الدلائل من خلال المتابعين على الأرض في العاصمة تشير إلى انتشار الدعم السريع على أغلب المساحات في العاصمة بمدنها الثلاث (الخرطوم والخرطوم بحري، وأم درمان).

·       لكن تشير مطالب الدعم السريع إلى أن موقفها العسكري داخل العاصمة لازال متأرجحاً وأن سلاح الجو داخل العاصمة يمكن أن يحسم معركة الخرطوم لكن بخسائر بشرية ومادية كارثية ولا يمكن تصورها. ويبدو أن هذا الحل غير بعيد عن تفكير قيادة الجيش خاصة في ظل الأنباء المتواترة بشأن تدمير القصر الجمهوري أمس الثلاثاء 9 مايو في غارة جوية، فضلاً عن تخوفات قائد الجيش من انتقال الصراع من العاصمة إلى ولايات أخرى، على الرغم من وجوده بالفعل.

·       الوضع الإنساني داخل السودان وفي العاصمة أصبح كارثياً. المستشفيات لا تعمل ومخزون الطعام والدواء ينفذ والأطراف الدولية تحاول أن تقنع طرفي الصراع بفتح ممرات إنسانية آمنه لإدخال المساعدات الغذائية والدوائية إلى السكان. المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة من جهتها ذكرت يوم الثلاثاء 9 مايو، بأن عددالنازحين داخل السودان بسبب القتال الدائر قد تجاوز 700 ألف شخص.

يتبع

تعليقات

المشاركات الشائعة