لماذا اختار الرئيس السادات مبارك نائباً له؟
محمود عبد العزيز.
في 14 أكتوبر 1981 أدى نائب الرئيس حسني مبارك اليمين الدستورية رئيساً للجمهورية خلفاً للرئيس السادات، أى أن اليوم يوافق مرور الذكري 41 على هذا الحدث. ورغم هذه السنوات لم يُحسم الجدل تماماً بشأن الأسباب الحقيقية التي دفعت الرئيس السادات لاختيار الرئيس مبارك نائباً ومن ثم خليفة له، وقد اجتهد كثيرون في تقديم إجابات عن هذا التساؤل وهى في أغلبها محض إكليشيهات اعتاد عليها تاريخنا السياسي في ظل غياب المعلومات أو تغييبها. خاصة أن الإجابات المنتشر لا تخلو من هوى ولا تتحرر من عبء الانتماءات الايديولوجية، والتي تُفقد الأمور منطقها العام.
أخر هذه الإجتهادات هى المقال الذي نشره الصحفي المخضرم الأستاذ عبد الله السناوي بجريدة الشروق عن الرئيس الأسبق، وأتصور أن ما ساقه المقال من أسباب حول اختيار مبارك نائباً للرئيس قد جانبه الصواب إلى حد كبير، ومن بين ما ذكره المقال أن السيد منصور حسن كان مفضلاً عند الرئيس السادات عن الرئيس مبارك. وهى مسالة غير حقيقية لا يقوم عليها دليل ولا يسندها سوى بعض الأراء الكيدية التي تلقي صدى مثلها في ذلك مثل ما يُشاع عن نية الرئيس عبد الناصر إقالة السادات من منصب نائب الرئيس قبل وفاته، وقد أذهب بعيداً لأقول دون مبالغة أن اختيار السادات نائباً للرئيس هو القرار الأفضل للرئيس عبد الناصر بعد قرار تأميم القناة، وقد كان عبد الناصر يدرك جيداً قدرة السادات على قيادة الدفة والتوصل إلى حل سياسي لمشكلة الأرض المحتلة.
كان لدى الرئيس السادات أسباباً قويه ومنطقية لاختيار مبارك لمنصب النائب الذي شغله في الفترة من أبريل 1975 إلى أكتوبر 1981، وقد يكون مناسباً أن يشير المقال إلى ثلاثة أسباب جوهرية يُمكن أن تساهم في إيضاح الطريقة التي كان يفكر بها الرئيس السادات وكيفية حسابه لإدارة المرحلة التي تليه، وهذه الأسباب هى على النحو التالي:
أولاً: أن مبارك صاحب انجاز ضخم للغاية خلال حرب أكتوبر، وهو انجاز الضربة الجوية، ومن المؤسف اختزال دور مبارك في الضربة وحده وفي حد ذاتها، لكن الأمانة تقتضى منا إدراك أن الرئيس مبارك تولى مهمة إعادة بناء القوات الجوية من نقطة الصفر منذ أن تولى منصب مدير الكلية الجوية في نوفمبر من العام 1967، ثم رئيساً لأركان القوات الجوية في 1969، ثم قائداً للقوات الجوية في 1972، ومن ثم فإن الإدعاء بأن الرئيس السادات اختار مبارك رغم وجود قادة أخرين لديهم دور أكبر في الحرب، هى مسألة غير حقيقية وتحيط بها علامات الاستفهام. فقد كانت المشكلة والثغرة الأكبر بعد 1967 هى القوات الجوية التي عليها أن تواجه سلاح جو أكثر تفوقاً في التدريب والتسليح، ومن ثم فإن فشل الضربة الجوية كان من شأنه أن يُفشل الحرب بأكملها، ولم يكن ممكناً عندها أن يخطو جندي واحد بقدمه على رمال الضفة الشرقية من القناة، وتلك حقيقة لا تقبل الشك.
ثانيا: أنه لا يوجد بين قادة أكتوبر واحداً يمكن أن نقول بقدر من الثقة بأن لديه قدرات سياسية خاصة تُمكنه من فهم التوازنات السياسية الدولية والاقليمية ومتطلبات مرحلة ما بعد الحرب أو يُمكن له استيعاب حجم الحركة السياسية للرئيس السادات ومقدار استيعابه لهذه التوازنات، لكن الوحيد الذي كان قادراً على التعلم ومن ثم القيادة في مرحلة لاحقة، هو حسني مبارك قائد القوات الجوية.
ثالثاً: صلة مبارك بالقوات الجوية، فقد كان لدى الرئيس السادات تصوراً بشأن قدرة القوات الجوية على إجهاض أى انقلاب عسكري يمكن أن يحدث ضد النظام السياسي، وهو تصور مستمد بطبيعة الحال من الفترة الزمنية التي سادت فيها دولياً وقارياً الانقلابات الكلاسيكية، وبالتالي فإن وجود مبارك يمثل نوعاً ما ضمانة للشرعية الدستورية وضمان لاستمرار الاتفاقيات الدولية التي ستوقع عليها الدولة. ولاستيعاب هذا التصور نشير إلى نموذج عملي، حين اقترح الرئيس السادات على شاه إيران إبان ثورة الخميني ضد حكمه أن يقوم بنقل سلاح الجو الملكي إلى مصر حيث يمكنه إستعادة سلطته من خلال القوات الجوية قبل أن ينتهى نظام الشاه بانحياز الجيش إلى الخميني. وقد استند هذا الاقتراح إلى التصور سالف الإشارة إليه.
إن فهم تاريخنا السياسي بأحداثه المختلفة يحتاج إلى تنقيته من التصورات الخاطئة، وهى مسألة يمكن أن نصل إليها إذا كانت بوصلة التفكير موجهة بالاساس إلى محاولة فهم منطق الأشياء وملابساتها وظروفها المحيطة، حينها قد نصل إلى صورة هى أقرب للحقيقة منها للمكايدة السياسية, ولربما نفعل يوماً ما.
تعليقات
إرسال تعليق